وكالة أنباء الحوزة ـــ أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين السيّد عبد العزيز الميناوي أكّد فيه السيّد الميناوي أنّ الكيان الصهيوني عاجزٌ عن مهاجمة قطاع غزّة لأنّه يخشى الخسائر الفادحة التي سيُمنى بها وشدّد على أنّ إلحاق الهزيمة بهذا الكيان عديم الثقافة والتاريخ والجضارة الذي زُرع في بقعة مقدّسة من هذه الأرض ليست مُتاحة إلا في ظلّ وجود الوحدة.
مؤتمر "الوحدة الإسلاميّة" حمل شعار مهمّ وهو "وحدة الأمّة للدّفاع عن المسجد الأقصى". كيف يمكن لمثل هذا الموضوع أن يوحّد الأمّة الإسلاميّة الآن خاصّة وأنّ هناك مساعي لحرف البوصلة عن القضيّة المركزيّة للأمّة ألا وهي القضيّة الفلسطينيّة وخلق نزاعات من أجل التّأثير على وحدة الأمّة والتّأثير على توحيد صفوف الأمّة الإسلاميّة؟
إذا أردنا أن نجيب على هذا التّساؤل الّذي هو تساؤل عميق وواسع ومتعدّد الأوجه فيجب أن نراجع التّاريخ القديم والحديث. المقصود من التّاريخ القديم هو أيّام البعثة النبويّة الشّريفة وما يتّصل بإسراء الرّسول الكريم (ص) إلى المسجد الأقصى والأرض المباركة وأرض الإسراء بإعتبارها أرضاً للمسلمين ترثها الأمّة الإسلاميّة وترث كل مقدّسات الأنبياء السّابقين (ع)، هذا فيما يتّصل بالقديم، أما بما يتّصل بالعصر الحديث فبداية الأحداث ليست الآن بل تكوّنت بدايتها في لحظة قدوم "نابلئون بنابارت" إلى المنطقة حيث بدأت الهجمة الأروبيّة تجتاح المنطقة وتغيّر من معادلاتها الداخليّة وهنا بدأ الإستعمار يتّخذ شكلاً مختلفاً مغايراً عمّا كان عليه في أيام الصليبيّين ودخل الآن للفكر وأوجد قانوناً وضعيّاً وقام بتجزئة الأمّة كلّها. الغرب هاجم بقوّة وفي النّهاية نجح في السّيطرة على المنطقة بعد تجزئتها وعندما خرج لم يخرج تماماً بل ترك آثاراً قويّة في السّياسات الإقليميّة.
في نفس الوقت زرع الغرب في منطقتنا وفي القلب منها وفي أقدس بقعة عند المسلمين؛ زرع كياناً غريباً يهوديّاً ليست له حضارة ولا تاريخ وصنع له حضارة وتاريخ، لكنّه كيان عقائديّ يُبنى على الرؤية التوراتيّة متعدّدة القوى والمذاهب والتّأثيرات فالهجمة الأوروبيّة أخذت الشكل الملموس والتّحدي الملموس وهي الهجمة الإسرائيليّة. الدور المطلوب من إسرائيل هو أن تسيطر على المنطقة، العالم كلّه الآن يعمل وفق هذا المنظور ونرى أنّ علاقة القوى العظمى مع إسرائيل قويّة جدّا منها الصّين والهند وغيرها من الدّول. المهمّ فيما يتّصل بالمنطقة هو محاولة بعض الدّول العربيّة التّطبيع مع الكيان الصهيونيّ ولكن هذا الأمر لن ينجيهم من طموحات الكيان الصهيونيّ، فالصهيونيّة لها نقطة إرتكاز فلسطين الآن لكن لديها رغبة أن تتمدّد جغرافيّاً حتى تصل إلى المدينة أي المقصود من الكلام أنّ الهجمة الصهيونيّة هي ذات الهجمة الأوروبيّة وإنّما أخذت شكل مشروع مستقلّ نسبيّا.
هذه الهجمة إذا إفترضنا أنّه يمكن التّصدي لها فيمكن التّصدي لها في حالة واحدة ألا وهي أن تتوّحد الأمّة. هنالك علاقة عضويّة بين وحدة الأمّة ونصرة الأقصى والمؤتمر عبّر في شعاره عن هذه العلاقة العضويّة بين سعي الأمّة للوحدة وسعيها لتحرير فلسطين وأرضها المقدّسة بمعنى أنّه لايمكن أن تُحرَّر الأمّة بدون أن تعمل على تحرير فلسطين. لدينا إسلام الآن ونحن لسنا مُوحَّدين فقط في الإسلام بل في التّوحيد والطّوائف والمذاهب وفي البلدان ولکنّ عدّة عناصر تعمل على الحدّ من تأثيرات الإسلام ذاته بحكم الخلافات العقديّة، لكنهناك تحديّ ملموس وهو إسرائيل الّتي تطمح للسّيطرة على المنطقة. لدينا تحديّ ملموس وهذا يمن أن يكون الجامع الأساسي للمسلمين ولإستعادة وجودهم وتغيير ظروفهم وتوليد الطّاقة لديهم في المجالات المختلفة منها العلميّة والإقتصاديّة والسياسيّة وغيرها من مجالات الحياة كي يؤهّلوا أنفسهم للحاجة الأولى أيّ تحرير فلسطين والحاجة الثّانية أيّ النّهوض بالدور المناط بهم. إذاً عنصر التّوحيد للأمّة هو الإسلام. إنّما ر التّهديد المطلق الّذي تشكّله إسرائيل ومن معها من القوى العالميّة هو تهديد حسيّ يُستشعر في طهران كما يُستشعر في الجزائر وباكستان. القوّة النوويّة الباكستانيّة أمامها الهند ولكنّ تأثير إسرائيل فيها بالغ وفي نيجريا بالغ وفي إثيوبيا بالغ وفي سدّ النهضة بالغ وفي تركيا بالغ ونرى أنّ إسرائيل موجودة ولها علاقات دوليّة قويّة. في البحر الأحمر أيضاً تأثير إسرائيل بالغ ولديها قواعد فيه.
إسرائيل عدوّ مطلق للمنطقة وهي العدوّ الّذي يوحّد الأمّة موضوعيّا بغضّ النّظر عن أنّ الإسلام ذاته يوحّد لكنّ مجالات الخلافات فيه كثيرة، إذاً العدوّ الإسرائيليّ هو عنصر التّوحيد الاساسيّ وشعار مؤتمر "الوحدة الإسلاميّة" كان منسجماً مع هذا الطّرح.
السّؤال الّذي أريد أن أسأله يدور حول ما حدث مؤخّراً. الكيان الصهيونيّ أراد اغتيال الأستاذ "أكرم العجوري" وفشل ولكن استشهد نجله وكذلك اغتال الكيان الصهيونيّ الأخ "أبوسليم" في قطاع غزّة وفي الوقت نفسه نرى أنّ الكيان يعاني من أزمة داخليّة بما فيها موضوع تشكيل الحكومة ورغم هذا كلّه يأتي "نتانياهو" ويخلق مشاكل ويغتال قيادات المقاومة ويخلق أزمة أخرى بمهاجمة قطاع غزّة. برأيكم عن ماذا كان يبحث الكيان الصهيونيّ في الأحداث الّتي شهدتها غزّة مؤخّرا؟
أنا أعتقد أنّ "نتانياهو" يعاني فعلاً من أزمة لكنّ بالإمكان حلّها. الكيان الصهيونيّ مُدرَّب على حلّ إشكالاته الدّاخليّة بطرق ملتوية ككيان؛ ولكنّ غزّة تشكّل بالنّسبة للكيان الصهيونيّ أزمة حقيقيّة. هو كان يستطيع أن يتعامل مع حزبالله عندما دخل مترين في الخطّ الحدوديّ ويتعامل مع مصر الكبيرة بنفس المستوى ويستطيع أن يهاجم مصر فيما لو تخطّت متراً خارج الحدود الدوليّة أمّا فيما يتّصل بقطاع غزّة فالحدود الموجودة هي حدود إتفاقيّة "رودس" عام ١٩٤٩ وهي حدود غير هدنة وغير معترف بها دوليّاً. الشّعب الفسطينيّ في غزّة بما لديه من الإمكانيات ـ الشّكر للإخوة في إيران الّتي تعتبر العنصر الأساسيّ في دعم هذه الإمكانيّات ـ يملك القدرة على إيذاء إسرائيل. على سبيل المثال ماذا يشكّل النّقب بالنّسبة لإسرائيل؟ النّقب يشكّل قلعة إسرائيل العسكريّة التي توجد فيها مطارات وفيها قواعد للصّواريخ وفيها مخازن الدّبّابات وفيها المدن لتدريب الجنود وهي القلعة التي تسيطر من خلالها إسرائيل على سيناء، والمشرق العربيّ مفتوحٌ أمامها على البحر الأحمر والبحر المتوسط. البحر المتوسط يكتسب أهميّة إستثنائيّة بالنّسبة لإسرائيل بحكم النّفط والغاز.
رغم هذا كلّه فإنّ غزّة - التي هي شريط ساحليّ ضيّق- تستطيع أن تؤثّر على مجرى كلّ التركيب الرّاهن عند إسرائيل ولا تستطيع إسرائيل أن تغزوها لأنّها تخاف من خسائر فادحة وتعرف أنّ هذا الشّعب مسلّح ولديه الحماس القتاليّ ويرى أنّ الكيان الإسرائيليّ يحتلّ أراضيه بدون مبرر والقانون الدوليّ والمجتمع الدوليّ لم يُحصّل للشّعب الفلسطينيّ حقّه أمام إسرائيل ككيان. الشّعب الفلسطينيّ يدرك أنّ إسرائيل ليست قويّة بما فيه الكفاية كبشر وإنّما هي تمتلك إمكانات تقنيّة وتسليحيّة؛ لكنّ الشّعب الفلسطينيّ نجح في تخطّي حاجز الخوف من هذه القدرات والإمكانيّات فتستطيع غزّة أن تؤثّر ولا يستطيع الكيان الإسرائيليّ إحتواء غزّة بحكم التسليح؛ والآن سيلجأ إلى عمليّة تمزيق العلاقات بين القوى الفلسطينيّة بغية إحتواء غزّة. إذاً فالخطوة الاساسيّة هي إحتواء غزّة عن طريق الاستفراد بأحد المنظمات أو تحييد عن طريق تحييد آخر وغيرها من الطّرق. فتتابع إسرائيل سياسة الإحتواء وليس إستخدام القوّة لأنّها تعرف أنّ إستخدام القوّة فشل عدّة مرّات وغزّة أشعرتها بالفشل وبالإحباط عدّة مرّات عندما حاولت أن تحتلّها وفشلت لذا فإنّها لاتريد أن تجرّب مرّة ثانيّة خيار استخدام القوّة والّذي سيؤثّر على تكوينها الداخليّ، إذاً فالأسباب استراتيجيّة وليست داخليّة بالنسبة لهم أو لسبب عربي.
أنتم كنتم في اللّقاء مع الإمام الخامنئي وقد أشار سماحته إلى موضوع مهمّ وهو موضوع إزالة الكيان الصهيونيّ وذكر أنّ إيران لا تقصد إزالة الشعب اليهودي الذين كانوا يعيشون في فلسطين لكنّها تسعى لإزالة حكومة إسرائيل وأشار سماحته إلى النّظام الصهيونيّ الزّائف الّذي جاء واحتلّ فلسطين واحتلّ الأراضي الفلسطينيّة. أنتم كيف تنظرون إلى كلمة سماحة الإمام الخامنئي خاصّة في الجانب الّذي تحدّث عن فلسطين؟
بصراحة ذكره لفلسطين عدّة مرات كان محلّ تقدير وإحترام عميقين وشكر أيضاً. فيما يتّصل باليهود؛ فاليهود كانوا يعيشون في المدينة حيث المصدر الأول للإجتماع الإنسانيّ الإسلاميّ وكانوا يعيشون كطرف من الأطراف وكانت المدينة تضبط العلاقات. وإنّما بالنّسبة للإسرائيليّين هناك مستويَين من العلاقة، مستوى النّظام كالجيش والأمن والرؤية الصهيونيّة وإرادة التّحكم وإلخ … وهذه القضيّة أساساً هي الّتي رفضها السّيد القائد مطلقاً وأكّد على إزالة هذا الكيان، أمّا بالنّسبة للنّاس العاديّين كأقليّة ثقافيّة و.. فالأمر يختلف. الآن اليهود بالنّسبة للكيان الصهيونيّ هم أداة للهيمنة في مجموعات مختلفة منها في الجيش وفي السّلطة وفي الأحزاب وإلخ… من خلال الاستفادة من الوضع الرّاهن ومن الدّعم الخارجيّ ولديها مشروع للهيمنة وطموح إستعماريّ للمنطقة لذا فإنّ السّيد القائد عزل ما بين هؤلاء النّاس وأولئك اليهود العاديّين البسطاء الّذين هم أداة للمحرقة الصهيونيّة.